قد ذكرنا في الفصل الاول شطرا من تصريحات كبار علماء الامامية في القرون المختلفة في أن القرآن الكريم الموجود بين أيدينا مصون من التحريف ، وما لم نذكره أكثر منه بكثير ، وربما نقف على تصريحات أو أسماء لجماعة آخرين منهم في غضون البحث .
وعرفت في الفصل الثاني أدلة الامامية على نفي التحريف وهي :
1 ـ آيات من القرآن العظيم .
2 ـ أحاديث عن النبي والائمة عليهم الصلاة والسلام ، وهي على أقسام .
3 ـ الاجماع .
4 ـ تواتر القرآن .
5 ـ صلاة الامامية .
6 ـ كون القرآن مجموعا على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
7 ـ عناية النبي والائمة عليهم الصلاة والسلام والمسلمين بالقرآن .
8 ـ قول عمربن الخطاب : حسبنا كتاب الله .
هذا ، ولم ينكر أحد من أولئك الاعلام وجود أحاديث في كتب الشيعة ، تفيد بظاهرها سقوط شيء من القرآن ، بل نص بعضهم على كثرتها ـ كما توجد في كتبهم وايات ظاهرة في الجبر والتفويض وفي التشبيه والتجسيم ونحو ذلك ـ لكنهم أعرضوا عن ذلك الاحاديث ونفوا وقوع التحريف في القرآن ، بل ذهب البعض منهم إلى فهم إجماع الطائفة على ذلك ، ومجرد إعراضهم عن حديث يوجب سقوطه عن درجة الاعتبار ، كما تقرر في اصول الفقه .
ونحن في هذا المقام نبحث حول سبب إعراضهم عن اخبار التحريف ، وقبل الخوض في البحث نقول :
هناك في كتب الامامية روايات ظاهرة في تحريف القرآن ، لكن دعوى كثرتها لاتخلو من نظر ، لان الذي يمكن قبوله كثرة ما ذل على التحريف بالمعنى الاعم (1) وقد جاء هذا في كلام الشيخ أبي جعفر الطوسي فانه ـ بعدان استظهر عدم النقصان من الروايات ـ قال : « غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع » واما ما دل على التحريف بالمعنى الاخص الذي نبحث عنه وهو « النقصان » فلا يوافق على دعوى كثرته ، ومن هنا وصفت تلك الروايات في كلمات بعض المحققين كالشيخ جعفر كاشف الغظاء والشيخ محمد جواد البلاغي بالشذوذ والندرة .
وروايات الشيعة في هذا الباب يمكن تقسيمها إلى قسمين :
الاول : الروايات الضعيفة أو المرسلة أو المقطوعة . والظاهر ان هذا القسم هو الغالب فيها ، ويتضح ذلك بملاحظة أسانيدها ، ويكفي للوقوف على حال أحاديث الشيح الكليني فيها ـ ولعلها هي عمدتها ـ مراجعة كتاب « مرآة العقول » للشيخ محمد باقر
المجلسي ، الذي هو أهم كتب الحديث لدى الامامية ، ومن أشهر شروح « الكافي » واهمها .
ومن الاعلام الذين دققوا النظر في أسانيد هذه الروايات ونصوا على عدم اعتبارها : الشيخ البلاغي في « آلاء الرحمن » والسيد الخوئي في « البيان » والسيد الطباطبائي في « الميزان » . ومن المعلوم عدم جواز الاستناد إلى هكذا روايات في أي مسألة من المسائل ، فكيف بمثل هذه المسألة الاصولية الاعتقادية ! ؟
والثاني : الروايات الواردة عن رجال ثقات وبأسانيد لامجال للخدش فيها .
وينقسم هذا القسم إلى طائفتين :
الاولى : ما يمكن حمله وتأويله فيها على بعض الوجوه ، بحيث يرتفع التنافي بينها وبين الروايات والادلة الاخرى القائمة على عدم التحريف .
والثانية : مالايمكن حمله وتوجيهه .
وبهذا الترتيب يتضح لنا أن ما روي من جهة الشيعة بنقصان آي القرآن قليل جدا ، لان المفروض خروج الضعيف سندا والمؤول دلالة عن دائرة البحث .
وأول ما في هذه الروايات انها مصادمة للضرورة ، ففي كلمات عدة من أئمة الامامية دعوى الضرورة على كون القرآن مجموعا على عهد النبوة ، فقد قال السيد المرتضى : « ان العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة واشعار العرب المسطورة . . . ان العلم بتفصيل القرآن وابعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة » (2) .
وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء : « لاعبرة بالنادر ، وما ورد من أخبار النقص تمنع البديهة من العمل بظاهرها » (3) .
وقال السيد شرف الدين العاملي : « ان القرآن عندنا كان مجموعا على عهد الوحي والنبوة ، مؤلفا على ما هو عليه الآن . . . وهذا كله من الامور الضرورية لدى المحققين من علماء الامامية » (4) .
وقال السيد الخوئي : « ان من يدعي التحريف يخالف بداهة العقل » (5) .
فان نوقش في هذا ، فلا كلام في مخالفة روايات التحريف لظاهر الكتاب حيث قال عز من قائل : ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) ليكون قدوة للامة وبرنامجا لاعمالها ، ومستقى لاحكامها ومعارفها ، ومعجزة خالدة . ومن المعلوم المتسالم عليه : سقوط كل حديث خالف الكتاب وان بلغ في الصحة وكثرة الاسانيد ما بلغ ، وبهذا صرحت النصوص عن النبي والائمة عليهم السلام ، ومن هنا أعرض علماء الامامية الفطاحل ـ الاصوليون والمحدثون ـ عن هذه الاحاديث . . . قال المحدث الكاشاني في « الصافي » : « ان خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذب له فيجب رده » (6) .
فان نوقش في هذا أيضا فقيل بانه استدلال مستلزم للدور ، أو قيل بان الضمير في ( له ) عائد إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فان هذه الروايات تطرح لمايلي :
أولا : انها موافقة للعامة ، فان القول بالتحريف منقول عن الذين يقتدون بهم من مشاهير الصحابة ، وعن مشاهير أئمتهم وحفاظهم ، واحاديثه مخرجة في أهم كتبهم واوثق مصادرهم كما سيأتي في بابه ، وهذا وجه آخر لسقوط أخبار التصريف عند فرض التعارض بينها وبين روايات العدم ، كما تقرر ذلك في علم اصول الفقه .
ثانيا : انها شاذة ونادرة والروايات الدالة على عدم التحريف مشهورة أو متواترة ، كما في كلمات الاعلام كالشيخ كاشف الغطاء وغيره ، وسيأتى الجواب عن شبهة تواتر ما دل على التحريف ، فلاتصلح لمعارضة تلك الروايات ، بل مقتضى القاعدة المقررة في علم الاصول لزوم الاخذ بالاشهر ورفع اليد به عن الشاذ النادر .
ثالثا : إنه بعد التنزل عن كل ما ذكر فلا ريب في ان روايات التحريف أخبار آحاد ، وقد ذهب جماعة من أعلام الامامية على عدم حجية الآحاد مطلقا ، ومن يقول بحجيتها لايعبأبها في المسائل الاعتقادية ، وهذا ما نص عليه جماعة .
لم ينكر أحد من علماء الشيعة ان عدة منهم ذهبوا إلى القول بنقصان القرآن الموجود بين أيدينا ، وان قسما منه اسقط وحذف من قبل الذين تصدوا لجمعه صدر الاسلام من الصحابة .
كما لم ينكر أحد وجود أحاديث في كتب الشيعة تفيد بظاهرها سقوط شئ من القرآن ، بل صرح بعض العلماء بكثرة لتك الاحاديث ، وهي الاحاديث التي تمسك بها أولئك القائلون بالتحريف ، آخذين بظواهرها ، متعقدين صحتها .
ولا بد أولا من عرض أهم تلك الاحاديث بنصوصها ، ثم النظر في مدى دلالتها على مطلوبهم ووجوه الجواب عنها ثانيا ، ثم ذكر الرواة والقائلين بتحريف القرآن بصراحة ثالثا .
واهم الاحاديث التي يستند إليها القائلون بتحريف القرآن هي الاحاديث التالية :
1 ـ عن جابر ، قال :
« سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما ادعى أحد من الناس انه جمع القرآن كله كما انزل إلا كذاب ، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب عليه السلام والائمة من بعده عليهم السلام » (7) .
2 ـ عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام انه قال :
« ما يستطيع أحد ان يدعي ان عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الاوصياء » (8) .
3 ـ عن سالم بن سلمة ، قال :
« قرأ رجل أبي عبد الله عليه السلام ـ وانا استمع ـ حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله عليه السلام :
مه ، كف عن هذه القراءة ، إقرأ كمايقرأ الناس ، حتى يقوم القائم فاذا قام القائم قرأ كتاب الله تعالى على حده ، واخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام .
وقال : اخرجه علي إلى الناس حين فرغ منه وكتبه ، فقال لهم : هذا كتاب الله تعالى كما أنزله على محمد صلى الله عليه وآله ، وقد جمعته بين اللوحين ، فقالوا : هو ذاعندنا مصحف جامع فيه القرآن ، لاحاجة لنا فيه ، فقال : أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا ، إنما كان علي ان أخبركم حين جمعته لتقراؤوه » (9) .
4 ـ عن ميسر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال :
« لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص عنه ، ما خفي حقنا على ذي حجى ، ولو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن » (10) .
5 ـ عن الاصبغ بن نباتة ، قال :
« سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : نزل القرآن أثلاثا : ثلث فينا وفي عدونا وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام » (11) .
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال :
« إن القرآن نزل أربعة أرباع : ربع حلال ، وربع حرام ، وربع سنن واحكام ، وربع خبرما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعد كم ، وفصل ما بينكم » (12) .
وعن أبي جعفر عليه السلام ، قال :
« نزل القرآن أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام » (13) .
6 ـ عن محمد بن سليمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال :
« قلت له : جعلت فداك ، إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ، ولانحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم •
فقال : لا ، إقرؤوا كما تعلمتم ، فسيجيئكم من يعلمكم » (14) .
7 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال :
« إن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن ، كانت فيه أسماء الرجال فالقيت ، انما الاسم الواحد منه في وجوه لاتحصى ، يعرف ذلك الوصاة » (15) .
8 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال :
« لو قد قرئ القرآن كما انزل لالفينا في مسمين » (16) .
9 ـ عن البزنطي ، قال : « دفع إلي أبوالحسن عليه السلام مصحفا فقال ـ وقال ـ : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه ( لم يكن الذين كفروا . . . ) فوجدت فيه ـ فيها ـ اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم واسماء آبائهم ، قال : فبعث إلي إبعث إلي بالمصحف » (17) .
10 ـ عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، قال :
« نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا : وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ـ في علي ـ فأتوا بسورة من مثله » (18) .
11 ـ عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال :
« من كان كثير القراءة لسورة الاحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى الله عليه وآله وازواجه ، ثم قال : سورة الاحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا ابن سنان : ان سورة الاحزاب فضحت نساء قريش من العرب ، وكانت أطول من سورة البقرة ، ولكن نقصوها وحرفوها » (19) .
12 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
« أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم ، فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب » (20) .
13 ـ عن إبن نباتة قال :
« سمعت عليا عليه السلام يقول : كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كم انزل ، قلت : يا أمير المؤمنين أو ليس هو كم انزل •
فقال : لا ، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم واسماء آبائهم ، وما ترك أبولهب إلا للازراء على رسول الله صلى الله عليه وآله لانه عمه » (21) .
14 ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام « في قول الله عزوجل : من يطع الله ورسوله ـ في ولاية علي والائمة من بعده ـ فقد فاز فوزا عظيما . هكذا نزلت » (22) .
15 ـ عن منخل ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال « نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا : يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا ـ في علي ـ نورا مبينا » (23) .
16 ـ عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله في قوله :
« ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات ـ في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ذريتهم ـ فنسي . . . » (24) .
فهذه طائفة من تلك الاحاديث ، ولنلق الاضواء عليها واحدا واحدا ، لنرى ما قبل في الجواب عن كل واحد أو ما جاء فيه من تأويل .
الحديث الاول : رواه الشيخ الكليني والشيخ الصفار ، كلاهما بسند فيه « عمرو بن أبي المقدام » وقد اختلف علماء الرجال فيه على قولين ، كما اعترف بذلك بعضهم (25) .
الحديث الثاني : رواه الشيخان الكليني والصفار أيضا بسند فيه « المنخل بن جميل الاسدي » وقد ضعفه أكثر علماء الرجال ، بل كلهم ، وقالوا : انه فاسد القعيدة ، وانه يروي الاحاديث الدالة على الغلو في الائمة عليهم السلام (26) .
هذا ، بالاضافة إلى انه يمكن تفسير هذا الحديث وسابقه بمعنى آخر يساعد عليه اللفظه فيهما .
ولذا فقد قال السيد الطباطبائي في الخبرين ما نصه :
« قوله عليه السلام : إن عنده القرآن كله . . . إلى آخره ، الجملة وان كانت ظاهرة في لفظ القرآن ومشعرة بوقوع التحريف فيه ، لكن تقييدها بقوله : « ظاهره وباطنه » يفيد ان المراد هوالعلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة على الفهم العادي ومعانيه المستبطئة على الفهم العادي .
وكذا قوله في الرواية السابقة « وما جمعه وحفظه . . . إلى آخره » حيث قيد الجمع بالحفظ ، فافهم » (27) .
وقد أورد السيد علي بن معصوم المدني هذين الخبرين ضمن الاحاديث التي استشهد بها على ان أمير المؤمنين عليه السلام والاوصياء من أبنائه علموا جميع ما في القرآن علما قطعيا بتأييد الهي والهام ورباني وتعليم نبوي ، وذكر ان الاحاديث في ذلك متواترة بن الفريقين ، وعليه إجماع الفرقة الناجية ، وانه قد طابق العقل في ذلك النقل (28) .
وقد روى الشيخ الصفار القمي حديثا آخر في معنى الحديثين المذكورين هذا نصه بسنده :
« جعفر بن أحمد ، عن عبد الكريم بن عبد الرحيم ، عن محمد علي القريشي ، عن محمد بن الفضيل ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : ما أحد من هذه الامة جمع القرآن إلا وصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم » (29) . ولكن في سنده (محمد بن علي القرشي ) (30) .
الحديث الثالث : فان راويه هو (سالم بن سلمة) أو (سالم بن أبي سلمة) ومراجعة واحدة لكتب الرجال تكفي للوقوف على رأيهم في هذا الرجل . فقد ضعفه ابن الغضائري والنجاشي والعلامة الحلي والشيخ المجلسي وغيرهم (31) . ويفيد الحديث مخالفة القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام مع القرآن الموجود بين أيدينا ، وسيأتي الكلام على ذلك في فصل (الشبهات) كما يفيد أيضا مخالفة القرآن الكريم على عهد سيدنا الامام المهدي عليه السلام لهذا القرآن ، وسيأتي الكلام على هذا أيضا في الفصل المذكور .
الحديث الرابع : هو من روايات الشيخ العياشي في تفسيره (32) ، وقد رواه عنه الشيخ الحر العاملي على النحو التالي :
« وعن ميسر ـ أي وروى العياشي عن ميسر ـ عن أبي جعفر عليه السلام قال : لولا ان كتاب الله نقص منه ما خفي حقنا على ذي حجى ، ولو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن » (33) .
ويبطل هذا الحديث إجماع المسلمين كافة على عدم وقوع الزيادة في القرآن ، وقد ادعى هذا الاجماع السيد المرتضى وشيخ الطائفة والشيخ الطبرسي رضي الله تعالى عنهم .
وقال سيدنا الجد الميلاني « هذا . . . على انه أحدا لم يقل بالزيادة » وقال السيد الخوئي في بيان معاني التحريف : « الخامس : التحريف بالزيادة ، بمعنى ان بعض المحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل ، والتحريف بهذا المعنى باطل باجماع المسلمين ، بل هو مما علم بطلانه بالضرورة » (34) .
الحديث الخامس : وقد صرح الشيخ المجلسي ـ رحمه الله ـ بانه مجهول (35) .
وفي الاول من تالييه : انه مرسل (36) .
وفي الثاني منهما بانه : موثق (37) .
وظاهر هذه الاحاديث ـ وان أنكر ذلك جماعة كالمجلسي والفيض وشارح الكافي ـ منافاة بعضها للبعض ، كما اعترف بذلك السيد عبد الله شبر (38) واوضح ذلك السيد هاشم معروف الحسني دراساته .
الحديث السادس : ضعفه الشيخ المجلسي (39) ، وأوله المحدث الكاشاني في الوافي : على أن المراد من تلك الآيات ، ما كان مأخوذا من الوحي من قبيل التقسير وتبيين المراد ، لامن القرآن الكريم على حقيقته حتى يقال انه يدل على نقصان القرآن .
الحديث السابع : وهو من روايات الشيخ الصفار القمي والشيخ العياشي ، وسيأتي الكلام عن رواياتهما على أنهما روياه عن « إبراهيم بن عمر » وقد اختلفوا في تضعيفه وتوثيقه على قولين (40) .
ومن الممكن القول : بان تلك الاسماء التي القيت إنما كانت مثبتة فيه على وجه التفسير لالفاظ القرآن ، وتبيين الغرض منها ، لا أنها نزلت في أصل القرآن كذلك ، كما قيل في نظائره .
الحديث الثامن : رواه الشيخ العياشي مرسلا عن داود بن فرقد عمن أخبره ، عنه السلام . وقد يجاب عنه أيضا بمثل مايجاب به عن الاحاديث الآتية . الحديث التاسع :
رواه الشيخ الكليني عن البزنطي ، وقد قال الشيخ المجلسي انه مرسل (41) .
واعترف شارح الكافي بكونه : مرفوعا .
وروى نحوه الشيخ الكشي عنه أيضا . (42) ، وسيأتي ما في رواياته .
هذا . . . ولقد قال المحدث الكاشاني بعده ما نصه :
« لعل المراد انه وجد تلك الاسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا للذين كفروا وللمشركين ، مأخوذة من الوحي ، لاانها كانت من أجزاء القرآن . . .
وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام (43)» .
الحديث العاشر : ونظائره التي رواها الشيخان القمي والكليني وغيرهما ، من الاحاديث . الدالة على حذف إسم أمير المؤمنين علي عليه السلام و« آل محمد » وكلمة « الولاية » واسماء « المنافقين » . . . وغير ذلك .
ويغنينا عن النظر في أسانيد هذه الاحاديث واحدا واحدا إعتراف المحدث الكاشاني بعدم صحتها ، وحملها على فرض الصحة على انه بهذا المعنى نزلت وليس المراد أنها كذلك نزلت في أصل القرآن فحذف ذلك .
ثم قال ـ رحمه الله تعالى ـ : « كذلك يخطر ببالي في تأويل تلك الاخبار إن صحت . . . » (44) .
وقال السيد الخوئي ـ دام ظله ـ :
« والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة : انا قد أوضحنا فيما تقدم ان بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن ، وليس من القرآن نفسه ، فلا بد من حمل هذه الروايات على ان ذكر أسماء الائمة في التنزيل من هذا القبيل ، واذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات ، لمخالفتها للكتاب والسنة والادلة المتقدمة على نفي التحريف .
وقد دلت الاخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب والسنة وان ما خالف الكتاب منها يجب طرحه وضربه على الجدار» .
وقال أيضا : « ومما يدل على ان اسم أمير المؤمنين عليه السلام لم يذكر صريحا في القرآن : حديث الغدير ، فإنه صريح في أن النبي صلى الله عليه وآله انما نصف عليا بأمرالله ، وبعد أن ورد عليه التأكيد في ذلك ، وبعد أن وعده الله بالعصمة من الناس ، ولو كان اسم « علي » مذكورا في القرآن لم يحتج إلى ذلك النصف ، ولا إلى تهيئة ذلك الاجتماع الحافل بالمسلمين ولما خشي رسول الله صلى الله عليه وآله من إظهار ذلك ، ليحتاج إلى التأكيد في أمر التبليغ» .
وقال بالنسبة إلى هذا الحديث بالذات :
« على ان الرواية الاخيرة المروية في الكافي مما لايحتمل صدقه في نفسه ، فان ذكر إسم علي عليه السلام في مقام إثبات النبوة والتحدسي على الاتيان بمثل القرآن لايناسب مقتضى الحال » .
قال : « ويعارض جميع هذه الروايات صحيحة أبي بصير المروية في الكافي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله ( اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) .
قال : فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام .
فقلت له : ان الناس يقولون : فما له لم يسم عليا وأهل بيته في كتاب الله •
قال عليه السلام : فقولوا لهم : ان رسول الله صلى الله عليه وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسم لهم ثلاثا ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسرلهم ذلك .
فتكون هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات وموضحة للمراد منها » (45) هذا ، وقد تقدم عن الشيخ البهائي قوله :
« وما اشتهربين الناس من إسقاط إسم المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع ، مثل قوله تعالى ( يأ أيها الرسول بلغ ما انزل إليك ـ في علي ـ) وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء » (46) .
الحديث الحادي عشر : فيجاب عنه ـ بعد غض النظر عن سنده ـ بان الشيخ الطبرسي ـ رحمه الله ـ وغيره رووه عن ابن سنان بدون زيادة « ثم قال ... » (47) .
على ان نفس هذا الحديث ، وكذا الحديثان الآخران (48) عن رسول الله صلى الله عليه وآله دليل على ان سورة الاحزاب كانت مدونة على عهده صلى الله عليه وآله وسلم .
كما يجاب عنه ـ إن صح ـ بما اجيب عن نظائره فيما تقدم .
ولنا أن نطالب ـ بعد ذلك كله ـ من يصحح هذا الحديث ويعتمد عليه ان يثبت لنا أين ذهبت هذه الكثرة من الآيات • وان يذكر كيفية سقوطها ـ أو إسقاطها ـ من دون ان يعلم سائر المسلمين •
أليس كانت الدواعي متوفرة على أخذ القران وتعلمه كلما نزل من السماء • أليس كانت السورة تنتشر بمجرد نزولها بأمر النبي (49) صلى الله عليه وآله بين المسلمين وتتواجد في بيوتهم •
الحديث الثاني عشر : من روايات الشيخ الكشي ، وسيأتي الكلام عنها بصورة عامة .
الحديث الثالث عشر : فإن سنده غير قوي كما يتضح ذلك لمن راجعه ، ثم إن الشيخ النعماني نفسه قد روى حديثين آخرين :
أحدهما : عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا ، قال : « كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة ، وقد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل » (50) .
والثاني منهما : عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، قال : « كأني بشيعة علي في أيديهم المثاني يعلمون القرآن » (51) .
وهذان الحديثان يعارضان الحديث المذكور .
واوضح من ذلك قول الامام الباقر عليه السلام : « اذا قام القائم من آل محمد ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزله الله عزوجل ، فاصعب مايكون على من حفظه اليوم ، لانه يخالف فيه التأليف » (52) .
وليتأمل في قوله عليه السلام : « لانه يخالف فيه التأليف » فانه يفيد فيما سيأتي .
أما الاحاديث المتبقية ـ 14|15|16 ـ فقد ضعفها الشيخ المجلسي جميعها (53) ، بالاضافة إلى أنه يجاب عنها بما يجاب عن نظائرها .
وهناك شبهات تعرض للناظر في أحاديث الشيعة الامامية حول القرآن الحكيم ، فعلينا بالرغم من ثبوت بطلان تلك الاحاديث المتقدمة وامثالها ، وعدم صلاحيتها للاستناد إليها بالادلة المذكورة على عدم وقوع التحريف في القرآن ، وبالاجوبة السالفة عن كل منها ، ان نتعرض لتلك الشبهات ، ونبين وجه اندفاعها :
لما رأى بعض محدثي الامامية كثرة الاحاديث المفيد نقصان القرآن ، ووجد كثيرا منها في المجاميع الحديثية المعروفة ، عرضت لهم شبهة تواتر تلك الاحاديث ـ ولاسيما الاخباريون الظاهريون ممن يرى صحة كل حديث منسوب إلى ائمة الهدى عليهم السلام من غير تحقيق ـ .
1 ـ ومن هؤلاء المحدث الجزائري ، فانه قال في وجوه رده على القول بتواتر القراءات : « الثالث : إن تسليم تواترها عن الوحي الالهي ، وكون الكل قد نزل به الروح الامين يفضي إلى طرح الاخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاما ومادة واعرابا » (54) .
ولكن يرده تصريح جماعة من كبار العلماء المحققين ـ وفيهم الاخباريون الفطاحل ـ بان أحاديث التحريف أخبار آحاد لايمكن الركون إليها والاعتماد عليها في هذه المسألة الاعتقادية .
فقد قال شيخ الطائفة : « غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، والاولى الاعراض عنها وترك التشاغل بها » .
(1)يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدة معان على سبيل الاشتراك : أ ـ نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره . ب ـ النقص أو الزيادة في الحروف أوفي الحركات مع حفظ القرآن وعدم ضياعه ، وان لم يكن متميزا في الخارج عن غيره . ج ـ النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين مع التحفظ على نفس القرآن المنزل . د ـ التحريف بالزيادة والنقيصة في الآية والسورة مع التحفظ على القرآن المنزل .
(2) المسائل الطرابلسيات ، نقلا عن مجمع البيان للطبرسي 1 : 15 .
(3) كشف الغطاء في الفقه ، ونقله عنه شرف الدين في اجوبة المسائل : 33 .
(4) أجوبه مسائل جارالله : 30 .
(5) البيان : 27
(6) تفسير الصافي 1 : 46 .
(7) الكافي 1 : 178 ، ورواه الصفار في بصائر الدرجات : 13 .
(8) الكافي 1 : 178 ، بصائر الدرجات : 213
(9 ) الكافي 2 : 462 .
(10) تفسير العياشي 1 : 13 .
(11) الكافي 2 : 459 .
(12) الكافي 2 : 459 .
(14) الكافي 2 : 453 .
(15) تفسير العياشي 1 : 12 .
(16) تفسير العياشي 1 : 13 .
(17) الكافي 2 : 461 ، وانظر البحار 92 : 54 .
(18) الكافي 1 : 345 .
(19) ثواب الاعمال : 100 ، وعنه في البحار 92 : 50 .
(20) رجال الكشي 247 ، وعنه في البحار 92 : 54 .
(21) الغيبة للنعماني : 318 .
(22) الكافي 1 : 342 .
(23) الكافي 1 : 345 .
(24) الكافي 1 : 344 .
(25) تنقيح المقال 2 : 323 .
( 26) تنقيح المقال 3 : 247 .
(27) حاشية الكافي 1 : 228 .
(28) شرح الصحيفة السجادية 401 .
(29) بصائر الدرجات للصفار ، وعنه في البحار 92 : 48 ، وانظر مرآة العقول المجلد 2 : 535 .
(30) تنقيح المقال 3 : 151 .
(31) نفس المصدر 2 : 4 .
(32) تفسير العياشي 1 : 13 .
(33) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 3 : 43 .
(34) البيان : 218 .
(35) مرآة العقول 12 : 517 .
(36) نفس المصدر 12 : 517 .
(37) نفس المصدر 12 : 517 .
(38) مصابيح الانوار في حل مشكلات الاخبار 1 : 294 .
(39) مرآة العقول .
(40) تنقيح المقال 1 : 27 .
(41) مرآة العقول 12 : 521 .
(42) رجال الكشي : 492 .
(43) الوافي : 2 : 273 .
(44) نفس المصدر 2 : 274 .
(45) البيان 178 ـ 179 .
(46) نقله عنه في آلاء الرحمن : 26 .
(47) مجمع البيان المجلد 4 : 334 .
(48) نفس المصدر ، ورواه أهل السنة في كتبهم المعتبرة . انظر منها الدر المنثور 5 : 179 عن جملة من كتب الحديث .
(49) ونقل هذا في بعض المصادر عن نهاية الاصول للعلامة الحلي .
(50) الغيبة للنعماني : 317 .
(51) الغيبة للنعماني : 318 .
(52) روضة الواعظين : 265 .
(53) مرآة العقول 5 : 14 ، 29 ، 29 .
(54) الانوار النعمانية 2 :357 .